تابعنا على

30


November

-1-1

0000-00-00

قراءة نقدية في الخطاب النسوي اليمني

قراءة نقدية في الخطاب النسوي اليمني 

لا نجد تعريفاً واحداً للحركة النسوية، البعض يرى أن كل حركة تنادي وتناضل من أجل حقوق النساء هي بالضرورة نسوية حتى وإن لم تطلق هذا المصطلح على نفسها. بيد أن البعض الآخر يرى أن مصطلح “النسوية” يستعمل حصراً لوصف الحركات التي تستعمل هذا المصطلح  بشكل واضح وصريح لتصف نفسها وتحدد هويتها النسوية وفق أحد المشارب المختلفة للنظرية النسوية والفكر النسوي، وبالتالي فإن وجهة هذه النظر تعد أي نشاط  لا يتبع أو يسهم في الفكر النسوي بشكل عام نشاطاً نسائياً وليس نسوياً.[1]  لغوياً يعرف  قاموس أوكسفورد النسوية بأنها “الاعتراف بأن للمرأة حقوقاً وفرصاً مساوية للرجل، وذلك في مختلف مستويات الحياة العلمية والعملية.” وعلى اختلاف التعريفات والتيارات والموجات التي مرت بها الحركة النسوية فقد تمكنت الحركات النسوية من إحداث أثر عالمي وتأصيل فكر وفلسفة انعكست في الاتفاقيات الدولية وسياسات الدول و المنظمات غير الحكومية. وكقريناتهن في باقي بقاع العالم، فإن الفكر والحراك النسويين حاضران في اليمن منذ أربعينات القرن الماضي وبأشكال مختلفة: منها الحراك في الشارع، أو من خلال منظمات المجتمع المدني، ومؤسسات الدولة والأحزاب السياسية، أو عبر الإسهام في الإنتاج المعرفي، ومؤخراً عبر استعمال وسائل التواصل الاجتماعي.

ومضات من تاريخ في اليمن

في العام 1953، افتتحت أول مدرسة للبنات في عدن، كان الفضل في ذلك للسيدة نور حيدر وهي ابنة معلم عدني حرص أن تتلقى ابنته تعليمها كأقرانها من الذكور، الأمر الذي لم يكن شائعاً حينها. بعد انتهاء حيدر من التعليم، واصلت جهودها والتحقت بها أخريات نتج عن نضالهن افتتاح عدد من مدارس الفتيات في عدن.  فقد كان الصوت الأول للنساء اليمنيات في الجنوب مطالباً بحق تعليم الفتاة ورابطاً له بعجلة التنمية والتقدم. أما في الشمال، فقد بدأ النشاط النسوي أكثر تواضعاً، ويكاد يكون صعب الملاحظة لولا خروج أول مظاهرة نسوية في 1961 بقيادة عاتكة الشامي والتي خرجت من معهد التمريض بصنعاء مطالبة بافتتاح مدرسة للفتيات[2]. وفي عام 1956 قامت السيدة رضية إحسان الله بتأسيس جمعية المرأة العربية في عدن، والتي كانت نواة الاتحاد العام لنساء اليمن الذي تأسس لاحقاً عام 1974 ، وكانت عضوات الجمعية مناضلات بارزات في حركة مناهضة الاستعمار البريطاني، بل كانت بعضهن مقاتلات في الكفاح المسلح ضد الاستعمار. إلى جانب نضالهن من أجل استقلال جنوب اليمن، ناضلت نساء جمعية المرأة العربية من أجل حقوق النساء بقيادة رضية إحسان الله التي عُرفت بإيمانها بأهمية المرأة في النضال من أجل الاستقلال وتشجيعها لنشاط المرأة السياسي.[3]

في 1974، أقرت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وهي الدولة الاشتراكية التي نصت المادة 47 من دستورها على أن دينها الرسمي هو الإسلام، قانون الأسرة الذي سعى إلى تغيير الأوضاع الاجتماعية والقانونية للنساء. واجه القانون اعتراضات مجتمعية من قبل من استندوا على بعض التفسيرات الإسلامية الي تتعارض مع بعض مواده، ووصلت هذه الاعتراضات حد الاتهامات بالإلحاد. وفي نفس العام، عُقِد المؤتمر العام الأول للمرأة اليمنية بقيادة الاتحاد العام لنساء اليمن  وبدعم من الدولة في مدينة سيئون ورأست المؤتمر عائشة محسن رئيسة الاتحاد.[4] بعد أن قامت الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في 1990، دُمِج الاتحاد العام لنساء اليمن مع جمعية المرأة اليمنية التي كانت نظيرته في الجمهورية العربية اليمنية، في كيان موحد اسمه اتحاد نساء اليمن  الذي أصبح منظمة غير حكومية في عام  2001.

عقب حرب 1994، أسست الأكاديمية النسوية الدكتورة رؤوفة حسن في 1996 مركزاً  لدراسات المرأة والنوع الاجتماعي بجامعة صنعاء وقام المركز بتقديم برامج للدراسات العليا المعترف بها محلياً ودولياً التي التحق بها عدد لا بأس به من الرجال والنساء. وكان الدكتور عبدالعزيز المقالح, الأديب اليمني البارز ورئيس جامعة صنعاء آنذاك، أحد المحاضرين في المركز والذي درس مادة النساء في الأدب العربي. وفي عام 1997 جرى تداول وثيقة بعنوان ”تقرير عن مركز دراسات النساء“ اتهمت المركز بالترويج لإفساد المجتمع والإلحاد ونشر الفاحشة وغيرها من التهم التي كانت جزءا من حملات شنتها شخصيات دينية بارزة أدت إلى إغلاق المركز عام 1999 . وقد طالت التهديدات رؤوفة حسن آنذاك حتى وصلت إلى حد التهديد بالقتل[5]. بقي المركز مغلقاً حتى إعادة افتتاحه مجدداً عام 2003 و قد غيّر اسمه إلى مركز أبحاث ودراسات النوع الاجتماعي والتنمية.

خطاب المساواة القائمة على النوع الاجتماعي Gender Equality، كان حديثاً على المجتمع اليمني خاصةً في الشمال. إضافة إلى ذلك أدت الصراعات والتقلبات السياسية المتعاقبة في اليمن إلى عقبات ساهمت في عدم سير الحركة النسوية في خط موحد وواضح، إلا أنها حققت رغم ذلك مكاسب عديدة؛ لعل أهمها المشاركة السياسية للنساء، وتزايد مرشحات الانتخابات والناخبات. شاركت المرأة في أول انتخابات عامة، وتبع ذلك انفتاح وظيفي للنساء في مناصب عليا. وبحلول 2009، قدمت اللجنة الوطنية للمرأة مشروعا قانونياً مهماً ينص على تحديد سن الزواج للفتيات حماية للقاصرات من أخطار الزواج المبكر لكن برلمانيين محافظين أعاقوا تعديل المقترح [6].  كما ساهم قانون الجمعيات الأهلية اليمني الصادر في 2001 في تأسيس عدد من الجمعيات والمؤسسات المعنية بحقوق النساء وإقامة الفعاليات والمؤتمرات.  وعبر ذلك استمر النشاط النسوي اليمني الذي كان في معظم الأحيان يحاول عدم التصادم مع الدين الإسلامي  بل مال إلى تقديم مفاهيم النوع الاجتماعي من منظور إسلامي. غير أن ذلك اختلف كثيراً بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي كونها تتيح سهولة الوصول وحرية التعبير لتظهر أصوات نسوية شابة ومختلفة تنال تفاعلا كبيراً من المتابعين اليمنيين على اختلاف نوع هذا التفاعل وهو ما سنأتي عليه لاحقاً.

واقع المرأة اليمنية

 “المرأة هي أفصح الأمثلة عن وضعية القهر بكل أوجاعها وديناميتها ودفاعاتها في المجتمع المتخلف[7].”   وكدولة مصنفة كواحدة من أسوأ الدول للنساء وصاحبة المركز الأخير في مؤشر الفجوة بين الجنسين للسنة الـ13 على التوالي، فإن اليمن بقعة جغرافية تفرض معاناة صعبة وقاسية على النساء.

سجلت اليمن في العام 2010، المعدل الأدنى لعدد سنوات التعليم الدراسي للنساء في منطقة أفريقيا والشرق الأوسط. حيث أظهر المسح الوطني للأسرة 2005، أن 40% من الفتيات بعمر (6-15) لم يلتحقن بالمدرسة وأن 1.1% فقط ممن يلتحقن بالمدرسة يكملن تعليمهن الجامعي وأن 25% فقط من الفتيات في الريف يحصلن على التعليم. الحرمان من حق التعليم عائد لعوامل عدة أهمها أن قرار السماح للفتيات بالالتحاق بالتعليم يملكه ذكور العائلة، أضف إلى ذلك الأوضاع الاقتصادية المتعسرة للأسر وبعد المدارس من مساكن الفتيات خصوصاً في الريف[8].  وقد أظهر مسح أجرته وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة اليونيسف 2006 أن 14% من الفتيات يُزوجن قبل بلوغهن سن الـ15 وأن 25% يزوجن قبل الثامنة عشرة[9]. وقد زادت نسبة اللاتي يتزوجن في سن مبكر إلى نحو 66% بعد عام واحد فقط من اندلاع الحرب الحالية [10].

بالنسبة للعنف الأسري، فلا توجد أرقام دقيقة لعدد حالات العنف التي تتعرض لها المرأة اليمنية؛ وذلك بسبب القيود المجتمعية التي تضع المرأة في وضع حرج؛ إن هي عمدت إلى الإبلاغ عن أحد أفراد عائلتها الذكور. غير أن مسحا أجراه  البنك الدولي وشمل 13 ألف امرأة في 2003  قد أظهر أن 5% من عينة المسح تعرضن للضرب، 21% منهن بدون سبب كما زعمن، و10% بررنه بالعصيان لأوامر المعنِّف. أضفْ إلى ذلك انعدام قوانين للتعامل مع العنف ضد المرأة والتحرش الجنسي[11].

في القانون اليمني، المرأة لها نصف دية الرجل، ويعاقب الزوج بالحبس لمدة لا تزيد عن سنة إذا قام بقتل زوجته بحجة الخيانة الزوجية بينما تواجه المرأة عقوبة الإعدام إذا ما قامت بقتل زوجها لنفس السبب. كما يتحتم على المرأة مغادرة المنزل حال الطلاق إذا لم تكن مالكة له، ويسقط عنها حق النفقة إذا طلقت لأسباب تتعلق باختياراتها في الحياة، كالعمل خارج المنزل دون إذن الزوج أو رفض السفر معه[12]. وبشكل عام مازالت أسر النساء تتعامل معهن كأفراد ناقصي الأهلية، متحججين بمبررات اجتماعية ودينية.

لم ترأف الحرب بالمرأة اليمنية كما لم ترأف بحال24.1 مليون يمني بحاجة للإغاثة الإنسانية 14.3 مليون منهم بحاجة حادة لمساعدات فورية. ومع استمرار الحرب وتحمل الكثير من النساء أعباء لا حصر لها تقدر الأمم المتحدة نسبة النازحات ب 3.3 مليون كما أن نسبة الفتيات والنساء في السن الإنجابية اللاتي لا يملكن سبل الوصول إلى الخدمات الصحية يقدرن بـ 6 مليون يمنية، ناهيك عن أن مليون امرأة حامل يعانين من سوء تغذية حاد، وما يقدر ب120000 فتاة وامرأة يواجهن خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي.

معضلات تَشكُّل الخطاب النسوي اليمني

تقدم بعض النسويات العربيات اللاتي يعتمدن الفكر النسوي الغربي دون تحليل نقدي لكل من إخفاقاته ونجاحاته خاصة فيما يتعلق بخصوصيات مجتمعاتهن أفكاراً تتنكر لكل ما يمت للثقافة العربية والإسلامية بأية صلة. لذا واجهن الكثير من الصعوبات في تقديم أبرز قضايا النسوية للمجتمعات العربية والإسلامية. وبالرغم من المحاولات المتواصلة لأسلمة بعض الأفكار النسوية وتقديم تأصيل شرعي لها كالمساواة بين الجنسين مثلاً بغية تحقيق تقبل المجتمع من خلال إعادة تفسير النصوص الدينية والشرعية، إلا أنها لم تكن كافية. فالنسوية الغربية البيضاء لا تراعي التنوع الديني والعرقي والثقافي وقضايا النساء وأولوياتها المتعددة والمختلفة خاصة أن قطاعا لا بأس به من النسويات الغربيات يرين النساء ككيان عالمي ذي تجربة موحدة دون الإلمام بتفاصيل وتجارب النساء المختلفة التي لا يمكن اختزالها في نموذج واحد في النضال أو التحليل.

وكمجتمع يمني يعتنق غالبيته الإسلام، وهو دين له حكم في كل تفاصيل الحياة بما في ذلك قضايا المرأة، فإن تقبل فكرة لا تنسجم مع الدين هو أمر صعب حيث يتوجب على كل الأفكار الجديدة أن تعبر من غربال الدين الإسلامي. وهذا يعني أحد خيارين: الخيار الأول هو تقديم فكر نسوي مجتزأ ومناسب لخصوصية المجتمع المحافظة كالنسوية الإسلامية التي نشأت في العديد من المجتمعات الإسلامية بما فيها اليمن. أما الخيار الثاني فيتمثل في تقديم نسويات يمنيات أخريات الفكر النسوي بفلسفته الغربية؛ خاصة بعض النسويات الناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهن الأكثر عرضة للرفض والصد المجتمعي. إنها معضلة حقيقية تدعونا للتفكير بإمكانية اضطلاع النسويات العربيات بصياغة فلسفة تحررية للمرأة العربية بما يتناسب مع خصوصيتها الثقافية خارج إطار الفكر النسوي الغربي. فلا يمكننا تجاهل أن الفكر النسوي الغربي هو نتيجة تجربة للمرأة الأوروبية والأمريكية البيضاء التي تنتمي غالباً إلى الطبقة الوسطى في المقام الأول. وبالتالي فهذا الفكر نابع من بيئة اجتماعية وتاريخية معينة لا يمكن تطبيقها بشكل موحد على كل المجتمعات.

أن بعض مظاهر الحداثة في بعض جوانب الحياة في اليمن توحي بتلاقي هذا المجتمع مع زمانه ومجاراته فكريا. غير أن هذا التلاقي في حقيقته محدود في أغلب المنحنيات فهو لا يعكس أكثر من مظهر خارجي، حيث مايزال هذا المجتمع محكوماً بمنظومة تقليدية لا تكون دائماً منسجمة مع قيم العدالة الاجتماعية. وانطلاقاً من هذه الفكرة فإن ما يُقدم خارج حدود هذه المنظومة يقابل عادةً بالرفض. فمن غير العملي نقل تجربة أو فكرة ما بذات الصلابة من مجتمع لآخر دون مراعاة الفروق الاجتماعية والمراحل الزمنية التي مرت بها هذه المجتمعات كي تتقبل أو ترفض هذا الفكر أو تقولبه بما يناسبها. وكما أسلفت سابقاً فإن غالبية النساء اليمنيات يتعرضن لانتهاكات لا حصر لها، وبالتالي فهن بحاجة ماسة  لخطاب قوي ومثابر لا يتماهى مع ما يعتنقه المجتمع من أفكار غير منصفة للنساء؛ وإنما يسلط الضوء على الجوانب العادلة الكامنة في الموروث اليمني الاجتماعي والديني. ونقصد بذلك تلك العناصر الثقافية والمرجعية التي تدعم حقوق النساء ومن ثم طرح قضايا المرأة التي عليها بعض التحفظات المجتمعية بصورة تدريجية وبأسلوب يمكن تقبله مجتمعياً.  وهذا يعني توجيه هدف النشاط النسوي نحو خلق أثر حقيقي في الدفاع عن حقوق النساء وإنصافهن بشكل عملي.

قراءة في لغة ومحتوى الخطاب النسوي اليمني على مواقع التواصل الاجتماعي

مع توفر وسائل التواصل الاجتماعي اتخذت بعض النسويات اليمنيات منها منبراً للحديث باسم كل النساء اليمنيات وللترويج لنسختهن من الفكر النسوي التي تثير جدلاً يزداد زخمه يوماً بعد يوم. في هذا الإطار أصبح من الضروري أن نقوم بقراءة نقدية للغة ومحتوى هذا الخطاب.

في أوقات كثيرة، يقع قطاع من الخطاب النسوي اليمني المقدم على مواقع التواصل الاجتماعي في إشكالية اللغة. ولا أقصد هنا التركيب اللغوي الحرفي للخطاب؛ وإنما المعاني والأفكار المقدمة بين أسطره؛ إذ تظهر الكثير من الخطابات النسوية بلغة عنيفة ورافضة للرجل بشكل شامل. نحن بالفعل نحيا في ظل نظام أبوي ذكوري غير منصف، لكن تقديم خطاب إقصائي لمكون رئيس في المجتمع ومحاولة إعلاء جنس على آخر يمثل عصبية عمياء وخللا في فهم المساواة والعدالة اللتين لا يهدف مضمونهما إلى الإقصاء أو التباعد بين الجنسين خاصة أن المنظومة الذكورية تضر بالنساء والرجال. ولا شك أن هناك شريحة عريضة من الرجال الذين يمارسون ظلماً جائراً بحق النساء، إلا أن اللغة الإقصائية لا تتناسب أحياناً مع تركيبة الرجل اليمني الاجتماعية. وبالتالي، فإنها قد تولد رد فعل عدائي تجاه النساء المقهورات داخل اليمن واللاتي لا يملكن أي مخارج أو أي يد في الخطاب النسوي الشائع على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي حين أننا لا نقلل من أهمية قضايا النساء المختلفة إلا أن هنالك تباينا في أولويات القضايا التي يجب أن تحدد بالشكل الذي يلامس واقع النساء المعنيات بالخطاب. على سبيل المثال، فإن النساء في مجتمعنا أشد حاجة لتناول قضايا العنف بأشكاله بما في ذلك حرمان الفتيات والنساء من حقوقهن الأساسية كحقوق التعليم، والتمكين الاقتصادي، وحق الحصول على الخدمات الصحية، والحماية القانونية من أشكال الاضطهاد والعنف. المرأة اليمنية بحاجة لخطاب تشعر بأنه يمثلها وينقل معاناتها ويكافح من أجلها لا لصوت ناءٍ لا يفهم ما تقاسيه، من جهة، ولا تفهم هي نفسها اصطلاحاته وأهدافه، من جهة أخرى. فعند القيام بجولة قصيرة في صفحات بعض النسويات اليمنيات اللواتي ينشطن على مواقع التواصل الاجتماعي نرى الكثير من منشوراتهن تتناول بشكل رئيسي قضايا كحرية الملبس والحرية الجنسية، ونجد أن الرجال  في تعليقاتهم على هذه المنشورات يحيدون عن  التركيز على القضايا المطروحة وتصبح جهودهم مسخرة في الهجوم على شخص صاحبات هذا النوع من الخطاب بعيداً عن جوهره. وقد يعمدون، على مستوى الحياة اليومية، إلى تكثيف ممارسة العنف على الفتيات والنساء في عائلاتهم خوفاً من أن يشابهن الصورة المتكونة في رؤوسهم عن النسوية والتي تكون، في الغالب، غير صحيحة.  في نفس الوقت فإن الكثير من النساء أيضاً يرين في هذا النوع  من الخطاب النسوي عدم احترام لخياراتهن العقائدية والثقافية التي تحتقرها هذه الفئة من النسويات وتعتبرها ضرباً من التخلف دون مراعاة لموقعية وسياق النساء اللاتي يتحدثن باسمهن. وهذا الأمر يجعل الكثير من النساء رافضات لأي حركة تنادي بحقوقهن حتى تلك الحركات التي تتناول احتياجاتهن الحقيقية.

 إن التماهي الأعمى والسطحي مع الفكر النسوي الغربي والهيئة الخارجية للمرأة الغربية والتركيز فقط على الهجوم على الحجاب والنقاب اللذين تعدهما كثيرات من النساء اليمنيات جزءا من هويتهن، يجعل هذا النوع من النسويات أشبه بالجماعات الدينية المتطرفة والمعادية لحرية النساء. وكلا الطرفان، بذلك، يمارسان اضطهاد النساء ويحرمانهن من حق الاختيار.

 إننا هنا نرفض الممارسات الذكورية، ولكن في نفس الوقت ندعو النسويات اليمنيات لئن يكنّ أكثر ذكاء في اختيار الألفاظ والقوالب التي يقدمن قضايا النساء من خلالها. فالمرأة اليمنية تشعر بالخيبة حين تُترك وحيدة دون أن تجد صوتاً جاداً وواقعياً لتمثيلها. لذا فإن على الناشطة النسوية اليمنية أن تدرس خطابها بدقة ومسؤولية عوضاً عن إثارة جدل يضر القطاع الأكبر من اليمنيات اللاتي يعشن على أرض الواقع وليس على الفضاءات الافتراضية. يجدر بمن تسعى إلى نصرة النساء ألا تتجاهل واقعها و أن تسخر جهدها لنصرة القضايا المركزية كالحرمان من فرص التعليم، والعمل تثبيت تشريعات وقناعات ثقافية يكون من شأنها تعزيز الحماية القانونية والعملية من صور العنف كزواج القاصرات، والتحرش، والاغتصاب، وجرائم الشرف، وغيرها من القضايا التي تهدد حياة النساء بشكل يومي. تلك هي مسؤوليتنا جميعاً نساء ورجالا.


[1]Offen, Karen. “Defining Feminism: A Comparative Historical Approach.” Signs: Journal of Women in Culture and Society 14, no. 1 (1988): 119–57. https://doi.org/10.1086/494494 .

[2] Arenfeldt, Pernille, Nawar Al-Hassan Golley, and Amel Nejib Al-Ashtal. “A Long, Quiet, and Steady Struggle: The Women’s Movement in Yemen.” In Mapping Arab Women’s Movements: a Century of Transformations from Within, 197–252. Cairo: The American University in Cairo Press, 2012.

[3] أسمهان العلس. 2005. أوضاع المرأة اليمنية في ظل الإدارة البريطانية لعدن 1937-1960. عدن: دار جامعة عدن للطباعة والنشر.

[4] Molyneux, Maxine, Aida Yafai, Aisha Mohsen, and Noor Baabad. “Women and Revolution in the Peoples Democratic Republic of Yemen.” Feminist Review, no. 1 (1979): 4. https://doi.org/10.2307/1394747.

[5] Willemsen, Tineke M., and Alkeline Van Lenning. “Women’s Studies Project in Yemen: Experiences from the Counterpart’s Viewpoint.” Women’s Studies International Forum 25, no. 5 (2002): 515–27. https://doi.org/https://doi.org/10.1016/S0277-5395(02)00319-9.

[6] المرصد اليمني لحقوق الإنسان، اثار الحرب والصراعات على المرأة اليومية ودورها في إحلال الصراع، 2015-2017 م، ص 14-26

[7] مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي، بيروت، المركز الثقافي العربي، الطبعة التاسعة، 2005م، ص 199

[8] تقرير للبنك الدولي، وضع المرأة اليمنية من الطموح الى تحقيق الفرص، مايو 2014م، ص9-36

[9] المسح الوطني للأسرة 2006م

[10] مسح سن الزواج المبكر، مؤسسة تنمية القيادات الشابة ومنظمة اليونيسيف، 2016م ص 16

[11] تقرير للبنك الدولي، مرجع سابق

[12] تقرير للبنك الدولي، مرجع سابق

رابط المصدر: https://almadaniyamag.com/ar/2020/12/26/yemeni-feminist-discourse/#_ftnref6 



عن الكاتب

جهاد جارالله كاتبة وفنانة تشكيلية