تابعنا على

30


November

-1-1

0000-00-00

اليمن: من أسوأ البلدان في العالم للنساء

اليمن: من أسوأ البلدان في العالم للنساء

“يا الله، أنا منهارة من الداخل. الوضع ليس طبيعيا، لا أشعر بأنني كائنة بشرية. لا أستطيع التنفس بشكل طبيعي مثل باقي الناس. نعاني من فرض ارتداء النقاب علينا، وزواج الأطفال، ووصمة عار الطلاق، والعنف المنزلي، وجرائم الشرف. لا أعرف… كما لو كنا غرباء. يضطهدوننا (الذكور من أفراد العائلة) وعلينا أن نبقى مضطهدين- مثل دمية تتحكم فيها الخيوط”.

هذا ما قالته لي امرأة يمنية عبر الهاتف، إذ عكس صوتُها المرتجف حُزْنَهَا وآلامها وخوفها الذي تعيشه النساء اليمنيات يوميا. وخلال الشهور الثلاثة الماضية، بصفتي عضوا في فريق اليمن في منظمة العفو الدولية، ظللت أتحدث إلى نساء من اليمن في مدينة مأرب، ومدينة تعز والعاصمة صنعاء بشأن أنواع العنف التي تتعرض لها المرأة اليمنية بسبب تزايد مسؤولياتها وتطور أدوارها المتعلقة بالنوع الاجتماعي.

وأثبت تزايد أدوار ومسؤوليات المرأة اليمنية أنه سيف ذو حدين. وبالرغم من أن تغير الأدوار المتعلقة بالنوع الاجتماعي يمكن أن يتيح فرصة لتخفيف وطأة الوضع الراهن الذي تعيشه المرأة اليمنية عندما تكون مسلحة بقدرات مناسبة، فإن النتيجة التي ترتبت عن هذه المرحلة الانتقالية جعلتها تتعرض أكثر فأكثر للعنف. وأظهرت الأدبيات المتوفرة أن المجتمعات التي تسود فيها المعايير الصارمة المتعلقة بالنوع الاجتماعي، يشعر فيها الرجال بالضعف والتهديد عندما تتعرض هذه الأدوار إلى التغيير، الأمر الذي يمكن أن يقود إلى تزايد العنف بين الشريكين الحميمين.

وفي اليمن حيث يحتل البلد المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين الذي وضعه المنتدى الاقتصادي العالمي للسنة الـــ 13 على التوالي، ظلت النساء يعانين من عدم المساواة في النوع الاجتماعي المترسخ بشدة في مجتمع موغل في النزعة الذكورية وذي أدوار صارمة بين الجنسين. وبالرغم من أن النزاع في اليمن خلَّف تأثيرا رهيبا على كل المدنيين بصفة عامة، فإن النساء والفتيات تأثرن بهذا الوضع بشكل غير متناسب. وأدت الصور النمطية السلبية بشأن أدوار النوع الاجتماعي والمواقف الذكورية، والنظام القانوني التمييزي، وانعدام المساواة الاقتصادية، إلى مفاقمة الوضع الهش للمرأة فيما يخص تعرضها للعنف. وأدت أعمال القتال إلى معاناة اليمنيين بسبب حدة الأزمة الاقتصادية، وتضرر البنية التحتية، وانهيار الخدمات. لكن بالإضافة إلى ذلك تعَّين على النساء أن يواجهن محدودية الحركة بسبب المعايير الثقافية السائدة بين الجنسين. وأيضا، لأنهن مسؤولات عن توفير الطعام وتقديم العناية في منازلهن، كان لِزَاماً عليهن أن يتعاملن مع التحديات المرتبطة بمحدودية الوصول (أو انعدامه) إلى الطعام، والماء، والصرف الصحي، وخدمات العناية الصحية- والتي شهدت تدهورا مطردا بسبب استمرار النزاع.

وفضلا عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، شاركتني النساء اللاتي تحدثت إليهن أيضا مخاوف عديدةمتعلقة بالأمن، ويرقى بعضها إلى حد الانتهاكات الجسيمة: هجمات عند نقاط التفتيش إذا لم تكن المرأة برفقة قريب ذكر لها، وهجمات خلال الاحتجاجات، بما في ذلك المضايقات، والاحتجاز التعسفي والتعذيب وضروب أخرى من سوء المعاملة من طرف قوات الأمن، وتزايد العنف المنزلي.

وقالت لي إحدى النساء: “كنت مسافرة برفقة ثلاثة أطفال عندما تم إيقافنا عند نقطة تفتيش من قبل قوات الحوثيين. احتجزونا، بدون طعام ولا ماء، في ظل جو حار جدا”. توسلنا إليهم أن يتركونا نَمُرُّ لكنهم رفضوا. أهانونا وهددونا بالاغتصاب. شعرنا بالرعب وبدأنا في البكاء…عندما انتهوا من أمرنا، تركونا ليلا في الشارع في منطقة منعزلة…كنا خائفين، وكان الأطفال مرعوبين”.

وحسب الأدوار السائدة بين الجنسين، يُعترف بالرجال باعتبارهم “حماة” للنساء والأسر إذ بدون حضور قريب من الذكور، تتعرض النساء أكثر فأكثر للعنف الجنسي والبدني. وفي ظل هذا السياق، تواجه المرأة التي لا يرافقها أحد أقاربها مخاطر متزايدة من العنف عند نقاط التفتيش. ويشمل أحد التكتيكات الفعلية التي تستخدمها السلطات الفعلية للحوثيين حلق شعر الرأس، ولا سيما رؤوس العرائس الجدد اللاتي يسافرن بين المحافظات بمفردهن عند نقاط التفتيش بهدف الاجتماع مع أزواجهن. في هذا المجتمع، يُتوقع من المرأة جذب زوجها جسديا، فضلا عن الاعتناء به. وعادة ما ينتهي الأمر بهؤلاء النساء إلى الطلاق، والعار والحزن. وفي الغالب تتردد ضحايا العنف اللاتي يتعرضن لحلق الرأس مثلاً في الإبلاغ عن الانتهاك الذي تعرضن له، إذ يخشين من ردة فعل مجتمعهن المحلي ومسؤولي الأمن.

واحدة من القضايا التي جعلت النساء يتجندن بوضوح ويرفضن التزام الصمت هو اعتقالهن و/أو الاختفاء القسري الذي يتعرض له أحد أعضاء أسرهن. أمهات، وزوجات وأخوات المحتجزين الذكور هن ضحايا الاحتجاز المباشر وغير المباشر و/أو الاختفاء القسري الذي يتعرض له أعضاء أسرهن. أولا، بالإضافة إلى حرمانهن من أزواجهن، وآبائهن، وإخوانهن، يعانين من الناحية النفسية- إذ يزداد الوضع سوءا بسبب عدم معرفة متى سيعود أحباؤهن أو إن كانوا سيعودون. ثانيا، يجدن أنفسهن مضطرات إلى أن يصبحن، بشكل رئيسي، مُعيلات وربات لأسرهن، وناشطات يتجندن من أجل حقوق أقربائهن الذكور المحتجزين. وكل دور تضطلع به المرأة يضاعف احتمالات تعرضها للعنف الجنسي والجسدي في منزلها وخارجه سواء من طرف جيرانها الذين يستغلون ضعف المرأة أو من طرف قوات الأمن التي تَحُدُّ من نشاطها وترفض التقارير التي تتناول العنف الذي تتعرض له.

وبالرغم من هذه التحديات، تواصل هؤلاء النساء الشجاعات كفاحهن من أجل الإفراج عن أقاربهن الذكور أو من أجل حقهن في معرفة ما حدث لهم. قالت لي إحدى الناشطات اليمنيات إنه خلال المظاهرات التي دعت إلى إطلاق سراح المعتقلين، تعرضت النساء إلى معاملة مهينة من قبل أفراد الأمن عندما كن يمارسن حقهن في الاحتجاج أمام مكتب مبعوث الأمم المتحدة. قالت “تعرضنا للمضايقات، والضرب بالبنادق، وخَلع غطاء الرأس، والسحل في الشارع من قبل قوات الأمن، بعضهم كانوا يرتدون ملابس مدنية، وبعضهم الآخر كانوا يرتدون بدلات عسكرية. تعرضت إحدى النساء لجرح في الرأس وكانت تنزف في الشارع”.

وبالرغم من اختلاف الطرق التي تأثرت بها النساء واختلاف معاناتهن نتيجة النزاع، وبالرغم من الدور النشط الذي تضطلع به المرأة في القيام بالحملات وعمليات كسب التأييد بما في ذلك الحقوق المتعلقة بأقربائهن الذكور المحتجزين، تظل النساء اليمنيات غير مُمَثَّلات بما فيه الكفاية في محادثات السلام. وتعيد قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مثل القرار رقم 1325 والقرارات اللاحقة، التأكيد على أهمية مشاركة المرأة في مباحثات السلام ومفاوضات بناء السلام. وتشمل القرارات الأخرى مثل القرار رقم 2216 الدعوة إلى إنهاء العنف في اليمن في الوقت الذي تستبعد صراحة الدعوة إلى إشراك النساء في المباحثات وتحد من مشاركة النساء في عمليات الحوار.

وقادت إحدى المبادرات التي حظيت بدعم الأمم المتحدة، إلى إنشاء مجموعة التوافق النسوي اليمني من أجل الأمن والسلام كآلية استشارية تضم 60 امرأة يمنية. وتسعى المجموعة إلى بناء قيادة خاصة بالنساء اليمنيات، وزيادة مشاركة المرأة وإدماجها في المفاوضات. وتقوم المجموعة أيضا بدور آلية استشارية خاصة بمكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة. وينبغي أن تقوم المبادرة أيضا، التي تعتبر خطوة إيجابية ومهمة، بدور منصة تتيح للنساء اللاتي تضررن في الغالب من النزاع فرصة المجاهرة بأصواتهن من خلال ضمان إشراكهن في مباحثات السلام.

ويظل التحدي قائما لترجمة هذه المبادرة الإيجابية إلى حقيقة واقعة على أرض الواقع. وستبقى حقوق وحاجات المرأة في الظل إذ بدون أجندة تَحَوُّل بين الجنسين، سوف يصطدم السلام في اليمن بمعوقات شتى. وتتعرض النساء في اليمن إلى التهديد أو القمع العنيف إذا جاهرن بآرائهن، أو تجندن (في حملة) أو دافعن عن حقوقهن. إذا كانت الأمم المتحدة جادة في تعزيز المساواة بين الجنسين وإنهاء الأزمة في اليمن، فينبغي عليها أن تضمن مزيدا من الفضاء المفتوح أمام مشاركة المرأة وزيادة إدماجهن في مباحثات السلام، والتأكد من أن مثل هذه المبادرات ذات مغزى وجوهرية.

ومن الأهمية أن يستند أي إجراء تتخذه الأمم المتحدة إلى إطار أوسع من معالجة التمييز بين الجنسين، من خلال عملية إصلاح تشريعي وطني من شأنها معالجة الانتهاكات الطويلة الأمد لحقوق الإنسان الخاصة بالمرأة. ويجب على الحكومة اليمنية أن تتخذ إجراءات فعالة لزيادة المشاركة السياسية للمرأة، والتصدي للقوانين والممارسات المنهجية والتمييزية، وحماية حق النساء في المساواة مع الرجال والتحرر من جميع أشكال التمييز، ومعالجة المواقف الثقافية والاجتماعية الأساسية التي تنطوي على تمييز ضد المرأة. ويجب على السلطات اليمنية أيضا أن تضمن وتعزز حماية النساء من العنف والتمييز داخل منازلهن وخارجها.

الرابط: https://www.amnesty.org/ar/latest/campaigns/2019/12/yemen-one-of-the-worst-places-in-the-world-to-be-a-woman/?fbclid=IwAR07FaJXuxiVPWGDJzLY5ghBlK-Lqu57u6XIJ4M6GNeVopY1kp6gpFuF1AU