تابعنا على

30


November

-1-1

0000-00-00

المرأة الريفية في اليمن.. كفاح من المهد إلى اللحد

  تعيش المرأة الريفية في محافظة ريمة، أوضاعًا معيشية صعبة وحياة قاسية وكادحة جدًّا، تتحمل من مشاق وأعباء الحياة أكثر مما يتحمله الرجل في أغلب الأحيان والمناطق، إذ تعتمد المجتمعات الريفية في اليمن، وخاصة في ريمة على المرأة بشكل كبير في الزراعة وتربية المواشي.

     لا تتوقف وظيفة المرأة الريفية في ريمة ودورها في الحياة عند تحمل مشاق الحمل والولادة وتربية الأولاد وتدبير أمور المنزل فقط، بل يتعدى ذلك إلى مشاركتها الرجل في كل أعماله خارج البيت، ومساعدته في مواجهة مصاعب الحياة، من خلال العمل في الزراعة وجلب الماء وقطع الأحطاب والأعلاف وتربية الأبقار والمواشي والاعتناء بها.

     الحجّة آمنة امرأة كبيرة في السن، من إحدى القرى الريفية في محافظة ريمة، وهي أم لأربعة أولاد؛ ثلاث بنات وولد، وتعيش هي وزوجها، بعد أن كبر أولادهما واستقلوا في مساكن خاصة، في منزل قديم بالقرية، مع رأسين من الأبقار وعدد من الأغنام، وأراضي زراعية متشتتة في المنطقة هي مصدر دخلهم الوحيد. 

     تقول الحاجة آمنة مسعد لـ"خيوط": "كُتب علينا الشقاء في هذه البلاد، نشقى فيها طوال حياتنا، وفي الأخير ما نلقى فيها سوى ما نسد بها حاجتنا الضرورية من المأكل والملبس والحياة البسيطة".

     مثل كل منزل ريفي لا يخلو كثيرٌ منها من المواشي والمزارع، ترعرعت الحاجّة آمنة وشاركت والدتها في كل أمور المنزل والعمل في المزرعة وتربية المواشي والأبقار.

     في سن الخامسة من عمرها -كما توضح آمنة- بدأت مشاركة أسرتها أعباء الحياة اليومية الشاقة، من خلال مساعدة والدتها في القيام بتدبير شؤون المنزل وتربية الأولاد والاعتناء بهم، وأعمال المطبخ وجلب الماء، وممارسة أعمال الزراعة والرعي وتربية المواشي والأغنام.

     بعد أن تزوجت في "سن مبكرة" تحملت من أول يوم -وفق حديثها- إدارة شؤون المنزل وتربية الأطفال، وجلب الماء والحطب، والمشاركة في كل أعمال الزراعة ورعي الأغنام.

كفاح من المهد إلى اللحد

     ما تقوم به هذه المرأة في ريمة وغيرها من النساء في جميع الأرياف اليمنية، تعد أعمالًا طويلة وشاقة ومرهقة، ومستمرة طوال السنة، لكن آمنة تقوم بها بدون كلل أو ملل، رغم كبر سنها.

تعتبر محافظة ريمة إحدى المحافظات الريفية والنائية في اليمن، والمهمشة من قبل السلطات والحكومات التي تعاقبت على حكم اليمن، حيث تنعدم فيها أدنى الخدمات الأساسية، ويفتقر الكثير من سكانها لأبسط مقومات العيش الضرورية

     الباحث الاجتماعي محمد صلاح يؤكد لـ"خيوط" أن "المرأة في ريمة تعيش أسوأ وضع إنساني في العصر الحديث، وتواجه حياة قاسية جدًّا، لا يمكن أن يصدقه عقل إنسان يعيش في عصر الألفية الثالثة، حيث تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، ومحرومة من أدنى حقوقها الإنسانية".

     تكابد المرأة الريفية في اليمن ظروفًا معيشية قاسية، تحكمها عادات وأعراف المجتمع الريفي، وتتحكم فيها التضاريس المناخية والمواسم الزراعية، فكل فصل وموسم يحمل معه للمرأة ألوانًا من المتاعب والأعمال الشاقة والأعباء المختلفة.

     مجمل هذه الأعباء وفق حديث صلاح تجتمع في حياة المرأة الريفية بمحافظة ريمة، وبالأخص في موسم الزراعة، الذي يستمر لما يقارب من ثلثي السنة، وهي مراحل عمل طويلة وشاقة ومرهقة، يكون نصيب المرأة منها أكثر من الرجل.

     تعتبر محافظة ريمة إحدى المحافظات الريفية والنائية في اليمن، والمهمشة من قبل السلطات والحكومات التي تعاقبت على حكم اليمن، حيث يفتقر الكثير من سكانها لأدنى الخدمات الأساسية، وأبسط مقومات العيش الضرورية.

مراحل الموسم الزراعي

     يبدأ موسم الزراعة في محافظة ريمة عند دخول فصل الصيف وينتهي مع دخول فصل الشتاء من كل عام. ويمر الموسم بعدة مراحل وأعمال محددة ومختلفة، ابتداء بعملية الحرث الأولى للأرض ومتابعة الزرع والاعتناء به، وانتهاء بحصد السنابل ونقلها وتخزينها.

     في هذا الخصوص، يتحدث لـ"خيوط" المزارع والخبير في المواسم الزراعية بريمة محمود صالح، عن كل موسم ومرحلة عمل ودور المرأة الريفية في ريمة في كلٍّ منها.

     بحسب هذا الخبير الزراعي فإن مراحل الزراعة في ريمة تبدأ بمرحلة تسمى "الشغيب"، وهي العملية الأولى لقلب التربة وتنظيفها قبل المطر، وتتم بواسطة الثور أو المحراث اليدوي، وخاصة في المناطق الجبلية، التي لا يمكن استخدام الآلات الزراعية الحديثة فيها.

     يتابع حديثه: "في هذه المرحلة غالبًا ما يقوم فيها الرجل بعملية الحرث، فيما تقوم المرأة بتتبع المحراث مباشرة، وتناول كل ما يقلعه المحراث من حشائش ونباتات وبقايا جذور الزرع في المزرعة".

     تأتي بعدها مباشرة مرحلة يطلق عليها "القبول"، هي عملية حرث الأرض مرة ثانية بعد المطر، وتتم بنفس طرق وأدوات المرحلة السابقة، ويكون دور المرأة فيها كما في المرحلة السابقة.

     ثم هناك مرحلة "التليم"، وهي عملية حرث الأرض مع رمي البذور، وعادة ما يقوم الرجال فيها بالحرث، فيما تقوم المرأة بعملية رمي البذور في التربة بطول وعرض المزرعة بعد الرجل.

     ويأتي بعد ذلك -كما يؤكد هذا المزارع- مهمة متابعة البذور في التربة إلى أن تنمو وتستوي وتثمر، وهي مراحل مترابطة وطويلة يتشارك فيها الرجل والمرأة العمل معًا، وتحتاج كل مرحلة منها عناية وجهدًا خاصًّا من قبل كلٍّ منهما، وتتم بالطرق والأدوات السابقة نفسها، إضافة إلى انضمام بعض الأدوات اليدوية التي تستخدم في هذه المرحلة، مثل: "المفرس"، و"الشريم".

مهرجان العلاّن 

     بعد هذه المراحل الطويلة يأتي مباشرة ما يسمى بموسم "العلاّن"، وهو أصعب وأشد المواسم على المرأة، وهو عملية "تقليم الحشائش" من أطراف الأراضي ومن بين "الأتلام" (الخطوط المستقيمة للزرع)، ومن ثَمّ العمل على ترتيبها وتجفيفها وتخزينها، لتقدم كأعلاف للأبقار والمواشي طوال أيام السنة، وعادة ما تكون تلك الأراضي واسعة ومشتتة وفي أماكن صعبة وبعيدة عن القرى.

     حسب المزارع أحمد الحاج، فإن موسم العلان في ريمة يبدأ أثناء فصل الخريف من كل عام، وتعلن الأسر في الريف حالة طوارئ عند قدوم موسم العلان، وتستعد له من قبل شهر بشراء الأدوات والمتطلبات الخاصة به.

     ويضيف لـ"خيوط" أن موسم "العلان" أصعب المواسم الزراعية على المرأة وأشقها في كل سنة، حيث يستمر أكثر من شهر، تتفرغ فيه المرأة للعمل طوال النهار وبصورة يومية، تبدأ من المنزل في الصباح الباكر بجلب الماء والاعتناء بالأبقار والمواشي، ومن ثَمّ الانطلاق إلى المزارع للعمل.

     بعد أن تنتهي من حز كمية كبيرة من الحشائش باستخدام "الشريم"، تقوم نهاية كل يوم بلف تلك الحشائش كأعلاف للمواشي، على شكل حزم ملفوفة بإتقان.

     حز الحشائش والأعلاف من قبل الرجال والنساء يصاحبه بعض المهاجل والأهازيج الغنائية الخاصة بالموسم الزراعي، وهي عبارة عن أغانٍ حماسية بألحان وكلمات خاصة متوارثة، يرددها المزارعون في "علان" بشكل جماعي وبأصوات عالية وجميلة وترانيم عذبة، تحفزهم وتخفف من تعبهم وتمنحهم شعورًا بأهمية ما يقومون به.

مرحلة الحصاد

     ما إن ينتهي مهرجان العلان، يستعد المزارعون لمرحلة "الصراب" أو الحصاد، وهي مرحلة حصد السنابل المثمرة من سيقان الزرع، ونقلها إلى أماكن خاصة لتجفيفها، ثم فصل الحبوب منها وتنظيفها وتخزينها، وتتم تلك العملية بطرق ووسائل مختلفة، وتقوم بها المرأة مع الرجل، ويختلف دور ونصيب كل منهما حسب المكان والمرحلة.

يؤكد الخبير الزراعي محمود صالح أن المرأة تتحمل النصيب الأكبر في مختلف مراحل الموسم الزراعي، خصوصًا في عملية النقل، التي تستمر لأيام طويلة

     عن هذه المرحلة يقول المزارع محمود صالح إنها عملية حش الزرع بعد قطف الثمار من المزارع، والاستفادة منها كأعلاف للأبقار طوال العام، وعادة ما تقوم بها المرأة، بيدها بواسطة أداة "الشريم" (المنجل)، حيث تقوم بحصد سيقان الزرع وتجميعها على شكل حزم، وربطها وتوزيعها بطول المزرعة للتعرض لأشعة الشمس إلى أن تجف ليسهل نقلها إلى المنزل وتخزينها.

     بعد أن يجف الزرع والأعلاف المجمعة من مختلف المراحل السابقة، تأتي عملية نقلها إلى المنازل، وتخزينها وتكويمها في أماكن خاصة خارج المنازل أو المزارع لاستخدامها كأعلاف للأبقار والمواشي.

     يؤكد محمود أن المرأة تتحمل النصيب الأكبر في مختلف المراحل السابقة خصوصًا في عملية النقل، التي تستمر لأيام طويلة، ويمثل هذا العمل من أصعب الأعمال التي تكلف به المرأة الريفية، إذ تحمل على رأسها كميات ثقيلة من تلك الأعلاف والحشائش ومن أماكن بعيدة، وهو ما لا يقدر على تحمله الكثير من الرجال.

     هذا الأمر يعكس ما تكابده النساء في ريف ريمة وصعوبة العيش وقساوة الحياة، في ظل افتقار مناطقهن إلى أدنى خدمات الحياة الأساسية.

     في هذا الإطار يشدد الباحث الاجتماعي محمد صلاح على أهمية الاهتمام بالمرأة في ريمة، وإعطائها الأولوية في البرامج والأنشطة الإنسانية المقدمة لليمن، من خلال دعم العلمية التعليمية ودعم تعليم المرأة وبرامج محو الأمية، ودعم الجانب التوعوي والإرشاد البيئي في الأرياف، وتوفير الخدمات الصحية وخاصة المرتبطة بالمرأة.

    كما يؤكد على ضرورة شق الطرقات وتعبيدها وتوفير الكهرباء ومشاريع المياه النقية وتوصيلها إلى القرى والمنازل، والاهتمام بتوفير مستلزمات الزراعة الحديثة.

تحرير: خيوط

رابط المصدر:https://www.khuyut.com/blog/yemeni-rural-women