December
2121
2021-12-17
ضربت المرأة اليمنية المثل بالتضحية وتحمل المشاق والمعاناة عبر سنوات كثيرة، خصوصًا في ظل الأوضاع السيئة التي يعيشها البلد، الذي بدوره انعكس على كل فئات المجتمع، لكنه كان الأشد وطأة على المرأة التي حُرمت الكثير من الحقوق، وتخلت عن العديد من الطموحات، جراء هذا الوضع. وتعتبر محافظة عمران من المحافظات اليمنية التي يمثل فيها الريف النسبة الأكبر من مساحة المحافظة؛ وبالتالي فمعاناة النساء لا تعد ولا تحصى. مأساة مضاعفة تمارس المرأة في مختلف أرياف اليمن وفي عمران -تحديدًا- أعمالًا قد لا تتناسب مع طبيعة تكوينها، مثل أعمال الزراعة بمراحلها المختلفة، حيث تضطر النساء هناك إلى القيام بكل أعمال الرجل في الأرض من الحرث والسقي وحمل الأثقال، مع غياب الكثير من الأزواج عن زوجاتهم طلبًا للرزق، سواءً داخل البلد أو في بلاد الغربة. تتحدث أم أيمن لـ"خيوط" عن معاناتها في الفلاحة والأعمال الزراعية: "قضيت عمري في الزراعة والأعمال الشاقة، بدلًا من الالتفات للتعليم ولنفسي كامرأة تقف خلف طاولات التجميل والاهتمام بالبشرة والجمال كما تفعل بقية النساء حول العالم"، وتضيف: "تحاول الريفيات قدر الإمكان الحفاظ على مقومات الجمال لديهن وبإمكانيات بسيطة". وتؤكد أم أيمن أنها تتحمل كل هذا من أجل أبنائها وزوجها الذي يعمل خارج اليمن طلبًا للرزق، كما أنه ليس من الصحيح ترك الأرض حتى تتحول إلى غير صالحة للزراعة. إلى جانب الأعمال التي تفوق طاقة المرأة العاملة في الريف، خاصة في عمران، فإن تتالي الإنجاب، بدون تباعد يعتبر مشكلة كبيرة، منتشرة بشكل واسع في ظل غياب التثقيف الصحي من جانب الجهات المعنية، وتدني الوعي الصحي لدى الأزواج أولًا، والبيئة التي تعيش فيها الكثير من الفتيات ثانيًا. تشكو مروة ذات الـ18 ربيعًا لـ"خيوط"، معاناتها مع الأعمال التي لا تتناسب مع طبيعتهن الرقيقة، منوهةً إلى أن الشباب حين يبحثون عن فتاة للزواج يشترطون المواصفات التي يخسرنها بسبب عملهن في الزراعة، مثل البياض والنعومة، متسائلة عن الذنب الذي اقترفنه، لتكون هذه الأسباب سببًا لعزوف الشباب عن الارتباط. في السياق، تقول الدكتورة منار محمد، لـ"خيوط"، إن العمل في الزراعة لا يؤثر على جمال المرأة، لكنه يُفقدها الكثير من مقومات الجمال، كاللطف والنعومة، محذرة من أن بعض الأعمال كحمل الأثقال قد يعرض النساء المشتغلات به لمشاكل صحية ربما تؤثر مستقبلًا على الإنجاب، متسببًا لهن بمضاعفات خطيرة. إلى جانب الأعمال التي تفوق طاقة المرأة العاملة في الريف، خاصة في عمران، فإن تتالي الإنجاب، بدون تباعد يعتبر مشكلة كبيرة، منتشرة بشكل واسع في ظل غياب التثقيف الصحي من جانب الجهات المعنية، وتدني الوعي الصحي لدى الأزواج أولًا، والبيئة التي تعيش فيها الكثير من الفتيات ثانيًا. أريد، ولكن كيف أصل؟! ترغب أم فاطمة، أمّ لستة أطفال، في المباعدة بين المواليد، لكن عدم اكتراث زوجها جعل الأمر في غاية الصعوبة، إضافةً إلى ضعف وعيها الصحي بهذا الخصوص، ثم بعد قريتها عن المدينة كلها عوامل أجبرتها على إنجاب ستة أطفال في عشر سنوات فقط. تقول أم فاطمة لـ"خيوط"، إنها تعاني من ضعف عام، وعدم القدرة على إرضاع المولود بشكل كافٍ، خاصة مع عدم وجود تغذية مناسبة أثناء الحمل إلى جانب اضطرارها على العمل في الأرض، بعيدًا عما يطلبه وضع المرأة الحامل من تغذية مناسبة وراحة تامة. الأمر الذي حذرت منه الدكتورة منار، التي ترى أن الإنجاب المتتالي دون تباعد يسبب مشكلات صحية بالغة للمرأة، كالولادة المبكرة في حالة الحمل المستعجل، وانفصال المشيمة عن الجدار الداخلي، والاضطرابات الخلقية للطفل وفقر الدم بالنسبة للأم". تؤكد دراسات طبية أن الحمل على فترات زمنية متقاربة ينهك مناعة الأم بشكل كبير، ويمكن أن يقارن بارتفاع مخاطر الإصابة بالتوحد في الطفل الثاني، حيث ترتفع المخاطر إلى أقصى حد في الحمل الذي يفصل بينه وبين الحمل الأول أقل من 12 شهرًا. طموح في مجتمع لا يرحم تضطر الفتاة في ريف عمران، إلى التوقف عن التعليم في الثانوية العامة في أحسن الأحوال، ليس رغبة منها، بل بسبب عدم وجود جامعات وكليات قريبة، خاصة مع استحالة عيش الفتاة وحيدة في المدينة. تقول الطالبة خلود -طالبة في الصف الثاني الثانوي- لـ"خيوط": "أعرف جيدًا من الآن أنه لا يمكن لي أن أكمل تعليمي الجامعي رغم رغبتي الشديدة في ذلك، بسبب عدم وجود كليات قريبة"، تأمل خلود أن يكرمها الله بزوج في المدينة يتفهم طموحها ويقف إلى جوارها لتكمل تعليمها الجامعي. لا يمكن أن يمر عيش الفتاة بمفردها في المدينة مرور الكرام؛ إذ لا بد أن تختار طريق المواجهة، وأن تتحمل تبعات ما ستؤول إليه الأمور. أماني ونهى أختان، قرر والدهن أن يكملن تعليمهن الجامعي في المدينة، حيث استأجر لهن شقة سكنية صغيرة بالقرب من أحد أقاربه رغبة منه في أن يكملن تعليمهن. تعرضت أماني ونهى للانتقاد اللاذع من المجتمع المحيط، لأنهن اخترقن العادات والتقاليد حد تعبير المنتقدين؛ تقول نهى لـ"خيوط": "واجهنا الكثير من الانتقادات والتحديات أثناء دراستنا الجامعية، لكن كل الانتقادات كانت من ورائنا، وهذا دليل على أن كل الانتقادات تعسفية، إذ لم نخطئ بشيء"، وتضيف: "بكل فخر تخرجنا وأصبحنا نخدم مجتمعنا، الذي انتقدنا ولم يقف بجوارنا في السابق". هناك عدد كبير من القرى في محافظة عمران لا يوجد فيها حتى مدارس للمرحلة الثانوية، وهو ما يجعل إمكانية إكمال الفتاة دراستها الثانوية فقط أمرًا غاية في الصعوبة، وربما مستحيلًا. مثقَلةٌ هي المرأة بأعباء الأعمال الزراعية، في محافظة عمران، وشحة الخدمات الصحية والتعليمية، وتعقيدات العادات والتقاليد التي تعامل معها كآلة جامدة.
ابراهيم الضلعي